كثيراً ما أتساءل .. هل مرّ على دنيا الناس واقعٌ كالذي نعيشه اليوم ؟
حدثنا الآباء والأجداد عن الحرب العالمية التي أدركوا .. حدثونا عن النكسة ، عن 67 ، لكنهم لم يحدثونا عن سلسلة لا متناهية كالتي عاشها جيلي ..
فتحنا أعيننا على الحرب العراقية الإيرانية ، تزامن معها الاجتياح الروسي لأفغانستان ، عشنا صورة الحرب ومأساتها عبر شاشات التلفزة وفقرات الأخبار ، يومها كنّا صغاراً لا ندرك أبعاد الحرب ، لكنها كانت تلابسنا .. حرب في جنوب السودان ، حرب في القرن الإفريقي بين إرتريا وأثيوبيا .. ثم جاءت الأزمة في الخليج ، اجتاح صدام حسين الكويت ، ثم حرب تحرير الكويت ، فالحرب في اليمن (حرب الوحدة ) ، فالحرب في البوسنة والشيشان والصومال .. ثم ما يسمى بالحرب على الإرهاب فاحتلال العراق .. كل ذلك وفلسطين لا تزال أسيرة ينزف فيها دم لا يكاد يلتئم الجرح ..سلسلة من الحروب عاشها أبناء جيلي أعتقد أنها أكبر بكثير من أن يحتملها إنسان ، لو كانت فلماً يستعرضه المرء لملّ تتابع الحروب وسئم واشمأز .. كيف وهى حرب تأكل من أعصابنا ، وتقتات على البقية الباقية من قلوبنا ، حصبها نحن ، ووقودها نحن ..شئ مرهق بحق .
واقعنا أكثر من مؤلم ، نحتاج فيه لو لبرهة لنستريح من مشهد الدم وصورة الآلة الحربية .
لماذا الحرب عندنا فقط ؟
ألا يوجد خلاف إلا عندنا ؟
هل الحروب منتج حصري لا يستمتع به إلا دولنا ؟
أليس في العالم سوق لترويج السلاح إلا عندنا ؟
حتى ما كنا نسمع به عند الغير من الحرب التي يشنها الجيش الجمهوري الإيرلندي ، والحرب مع نمور التاميل وغيرها لم نعد نسمع عنها شيئاً ، لتتفرد منطقتنا بالحروب دون غيرها .
ثم جاء ما يسمى بالثورات .. نار تأكل في الهشيم بسرعة البرق ، تونس التي أحرق فيها البوعزيزي نفسه تبين لنا فيما بعد أن النار سرت في جسد الأمة كلها ، مصر ، ليبيا ، اليمن ، البحرين .. مسلسل لا ندري ما نهايته !!
هل ستنعم منطقتنا بعشر سنوات من السلم ؟ هل سيمرّ علينا وقت ننسى فيه الصور التي تكلست في أذهاننا ؟ هل يمكن أن ينشأ جيل أبنائنا دون النشأة الأولى التي نشأنا عليها .. أرجو ذلك وأدعو الله بذلك .