ألسنة نار متصاعدة ترمي بشرر كالقصر من مصافي النفط وآباره ، تماماَ كصورة أبار النفط الكويتية إبان الغزو العراقي .. حطام هنا ركام هناك ، وخراب ودمار وفساد ، ضجيج هنا وصخب هناك ، والزيت الأسود يسيل هدراً ، ويذهب سدى ، بينما أعداد من السيارة متعطلة على الطرقات ، وأخرى تقف في طوابير طويلة تنتظر بالساعات دورها في التزود بالوقود ، في ظل نقص حاد في المخزون من البنزين والديزل . ظلام دامس يلف المدينة بعباءة سوداء كئيبة ، فالكهرباء متعطلة في كثير من الأحياء ، والطائرات رابضة في المطار لا تستطيع حراكا ، وقف هدير المصانع ، وتعطلت حركة السير ، وعشرات الأرواح الراقد أصحابها في المستشفيات على أجهزة الإنعاش يلفظون أنفاسهم الواحد تلو الآخر في مسلسل أسود ، حلقاته الموت وموسيقاه البكاء والنحيب ، والصراخ والعويل ، ومراسم العزاء في كل حي ، وعلى كل شارع .. لا كهرباء ، لا ماء ، حتى محطات التحلية نفد ما في مخزونها من الوقود ، شحت المياه ، وعطش الناس ، واضطر البعض أن ينزحوا إلى القرى القريبة طلباً لأسباب البقاء ، والتماساَ لما يطفئ الظمأ ، ويدفع العطش ..
قطعاً لم تكن تلك اللوحة السوداء صورة غزة المحاصرة ، ولا منظر مقديشو . لا .. إنها إحدى سيناريوهات الانجاز الجهادي لأفراد الفكر المنحرف الظلامي لو أنهم تمكنوا من إصابة أهدافهم في ضرب مصافي النفط ومفاصل الحياة في البلد !!
ياله من جهاد مقدس !!
ياله من موطئ يغيظ الكفار ، وينال منهم نيلاً !!
مفارقة عجيبة.. حين تسلم تل أبيب وتستهدف أبقيق ورأس تنورة وجدة والرياض !!
قياس بديع حين تختلط الأوراق وتطيش الموازين !!
قالوا : نحن نريد أن نخرج الكفار من جزيرة العرب .. هكذا قالوا .. فأرجوا كل من خالفهم ، فكل من خالف الخوارج كافر حتى لو كان صحابياً شهد الوحي والتنزيل ، قتلوا عبد الله بن خباب بن الأرت .. أفيتورعون عن قتل جندي مرابط على ثغر لحماية الوطن ومقدساته ؟!
أيتورعون عن قتل الأئمة في محاريبهم ، والعبّاد في مساجدهم ، والشيوخ والأطفال والنساء ؟!
ثم رأوا أن الجهاد هو في ضرب المباني الحكومية ، والمقار الأمنية .. لأنها هبل العصر ولات الزمان ومناة الثالثة الأخرى !!
باب الاجتهاد لم يغلق ، والفتوى حق لكل من حمل البندقية من علماء التفخيخ والتفجير ، وأئمة ال(تي إن تي ) ، والديناميت ، فقد هداهم الاجتهاد بعد النظر والتأمل وإعمال النصوص التلمودية ، والآيات الشيطانية أن يتوجهوا بالعمليات إلى الحرمين الشريفين ، نعم مكة والمدينة ، لأن القتل في مكة بمائة ألف شهادة وفي المدينة بألف وليس في الخارطة القدس !!
عجبي !!
ثم لأن الفقه الجهادي متجدد ، وأئمته راسخون في الجهل والغلو ، فإن أئمة الاستشهاد رأوا أن الحرمة الزمانية ليست بأقل فضلاَ من الحرمة المكانية ، فكما خرقوا حرمة البيتين والمسجدين ، رأوا أن يهتبلوا فرصة الشهادة في رمضان أسوة بقتلى بدر ، فأرسلوا من استحلوا النظر إلى فرجه ، وتفخيخ عورته ، كيف والضرورات تبيح المحظورات ، والغاية تبرر الوسيلة ، أرسلوه في رمضان للنيل من أحد رموز الأمن في البلد ، وحراس الذمم .. فسلم الأمير وقد خاب من افترى !!
ثم لكأني بهم وقد أتاهم آتي القرشيين المؤتمرين في دار الندوة ، شيطان على هيئة شيخ ، وإبليس في صورة جهادي ، فأشار عليهم كما أشار على أسلافهم برأي لا يتفتق له إلا ذهن كل شيطان مريد أن يتحالفوا مع الحوثي ، مع الحوثي الإمامي ؟ فلم لا .. وإذا لزم الأمر مع رابين وشارون بل مع الشيطان نفسه ..في نظرة مقاصدية فريدة ، مفادها تقاطع المصالح .
واليوم جاءوا يريدون النيل من مصافي لنفط ، وآباره ، وضرب المنشآت ، وأسباب العيش والحياة .. لا لا .. لا تسيئوا الظن ، فما أرادوا إلا الإصلاح ، وما طلبوا إلا الجنة ، ففرارا من النار يضرمون النار ، وطلبا للخلد يقتلون الناس ، ورغبة في الحور يفرقون بين الزوج وزوجه وبين الوالد وولده !!
يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان .. شاهت الوجوه وتعست الأفهام .
أتساءل ببراءة : إذا كان هؤلاء هم المعتلون ذروة سنام الإسلام ، والمجاهدون في سبيل الله ، فمن اليهود أعداء الله والدين ، ومن هم حزب الشيطان ؟!!
وإذا كانوا أصحاب قضية ودعاة تحكيم للشريعة .. فمن الخوارج كلاب النار ؟
إذا كان هؤلاء على الحق ، فعلى أي شئ كان العلامة محمد بن إبراهيم ، والحبر ابن باز ، والفقيه العثيمين ، والوالد الجبرين ، وأصحاب العمائم ، ومشيخة الأزهر ، وعلماء الشام ومصر والمغرب ، وائمة العلم أهل الديانة والصيانة ؟!!
فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون ؟!!
إذا كانوا قد عرفوا الحقيقة ، فهل غابت عن مليار ونصف المليار مسلم ؟!!
ها .. ربما لأن الحق لا يعرفه إلا القلة ، أو قلة القلة .
أو ربما لأن القلة من الأمة هم الذين ثبتت لهم العصمة والأكثر في ضلال مبين !!
ها .. لعل الحق حكر على الفئة الضالة ، والفرقة الهالكة ، أحفاد ذي الخويصرة التميمي .. ألا شاهت الوجوه ، وخاب السعي .
متى سينتهي هذا المسلسل المظلم الذي سئمنا حلقاته وأحداثه ، ومللنا أدواره وعبثياته ؟
متى سيسدل الستار عن هذه المسرحية الدموية الأجيرة ، اللقيطة الهجينة ؟
كشف الغطاء ، نفدت الشبه ، وما عادت تروج على أحد ..
أما الإمامة فقد عقدنا البيعة لولاة الأمر فلن يكون لكم من الأمر شئ ، ولن تصلوا إلى كرسي السلطة ، ولا سدة الحكم ، ولعمر الله لمسّ السماء ، ولحس الجوزاء ، أقرب إليكم مما تأملون ، وأيسر عليكم مما ترجون ، ودون ذلك الجماجم والرؤوس ، والمهج والنفوس .
البيعة هنا لآل سعود – حفظهم الله ، وحفظ بهم البلاد والعباد – دين عقدنا عليه القلب والضمير ، فلا مجال للمزايدة ولا للتأويل ، ولن يخلع البيعة إلا منافق معلوم النفاق ، خارج عن الصف ، شاق للعصا ، ومن فعل فقد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم قولته ، وأصدر حكمه ، ( فاقتلوه ) .. قول فصل وما هو بالهزل .
يكفي ما فقدناه من أغرار الشباب ، صغار الأسنان سفهاء الأحلام ، وحسبكم يا سفكة الدماء ما صددتم عن دين الله وفتنتم الناس عن الدين الحق وشوهتم سماحة الدين ونقاءه وصفاءه.
اليوم ومع الانجاز الأمني بالقبض على فلولكم ، انقشع الظلام ، وتبددت سحبه ، وجاء الحق أبلج ، وولى الباطل وتلجلج .. وجاء الحق وزهق الباطل ، إن الباطل كان زهوقا